يتناول هذا التحليل تطور الحضور الروسي في مصر بوصفه عاملًا متناميًا في إعادة رسم موازين القوة في شمال أفريقيا، خاصة بعد لقاء جمع رئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي وقيادات حكومية مصرية مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، حيث أكدت القاهرة دعمها تنفيذ مشروعات استراتيجية روسية، أبرزها المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ومحطة الضبعة النووية.

 

يشير معهد روبرت لانسنج إلى أن هذه المشروعات تعكس تحوّلًا نوعيًا في طبيعة الشراكة المصرية–الروسية، إذ تتجاوز التعاون التقليدي إلى شراكة طويلة الأمد في قطاعات الصناعة والطاقة والبنية التحتية، بما يحمل أبعادًا جيوسياسية مباشرة تتجاوز الإطار الاقتصادي.

 

المنطقة الصناعية الروسية: موطئ قدم استراتيجي

 

تمنح المنطقة الصناعية الروسية، التي خصصت مصر لها أراضي داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، موسكو امتيازات طويلة الأمد تسمح بتحويل هذه المساحة إلى مركز إقليمي للشركات الروسية العاملة في التصنيع والتصدير. ويمنح هذا الترتيب روسيا حضورًا اقتصاديًا ولوجستيًا قرب أحد أهم الممرات التجارية في العالم.

 

يعزز هذا الوجود قدرة موسكو على الاندماج في سلاسل الإمداد العالمية، ويمنحها أدوات تأثير غير مباشرة على حركة التجارة في القناة، وهو ما يثير قلقًا أميركيًا متزايدًا بشأن أمن الملاحة وسلامة سلاسل التوريد العالمية. ويرى محللون أن هذا التمركز لا يحمل بعدًا اقتصاديًا فحسب، بل يوفر أيضًا رافعة سياسية وأمنية في منطقة شديدة الحساسية للمصالح الغربية.

 

في المقابل، تستفيد القاهرة من تدفقات استثمارية وفرص عمل ودعم للتصنيع المحلي، ما يعزز جاذبية الشراكة الروسية في ظل الضغوط الاقتصادية الداخلية والحاجة إلى تنويع الشركاء الدوليين.

 

محطة الضبعة النووية: نفوذ عبر الطاقة والتكنولوجيا

 

يمثل مشروع محطة الضبعة النووية، الذي تنفذه شركة روساتوم الروسية، حجر زاوية في تعزيز النفوذ الروسي داخل قطاع الطاقة في مصر والبحر المتوسط وشمال أفريقيا. ويخلق المشروع روابط اقتصادية وتقنية طويلة الأمد، ويمنح موسكو حضورًا مباشرًا في أحد أكثر القطاعات حساسية واستراتيجية.

 

يساهم المشروع في دعم أمن الطاقة المصري وزيادة القدرة الإنتاجية للكهرباء، لكنه في الوقت ذاته يربط البنية التحتية الحيوية المصرية بالتكنولوجيا الروسية، ما يقلص فرص الحلول الأميركية والغربية المنافسة. ويرى التقرير أن هذا الارتباط التقني والأمني يعمّق اعتماد القاهرة على موسكو في مجال حيوي يمتد تأثيره لعقود.

 

ويضع هذا التطور واشنطن أمام واقع جديد، حيث تفقد تدريجيًا نفوذها التقليدي في صياغة معايير الطاقة والتكنولوجيا داخل مصر، لصالح نموذج روسي يتماشى مع رؤية موسكو لعالم متعدد الأقطاب.

 

تداعيات جيوسياسية وخيارات واشنطن

 

يعكس التوسع الروسي في مصر تراجعًا نسبيًا للدور الأميركي، الذي طالما شكّل الركيزة الأساسية للتعاون الأمني والعسكري والدبلوماسي مع القاهرة. ويكتسب هذا التحول أهمية مضاعفة في ظل الدور المصري المحوري في ملفات غزة والسودان وليبيا، وهي ساحات تتقاطع فيها المصالح الأميركية والروسية بشكل مباشر.

 

يرى التقرير أن موسكو تستثمر في مشروعات طويلة الأمد تعزز صورتها كشريك موثوق، ما يقلل جاذبية المبادرات الغربية لدى النخب الإقليمية. كما يمنح هذا التمدد روسيا قدرة أكبر على التأثير في مسارات التسوية الإقليمية، بما يعقّد جهود التنسيق الأميركي مع الحلفاء.

 

ويطرح التحليل أربعة سيناريوهات محتملة لرد الفعل الأميركي، تتراوح بين القبول الضمني بالتوسع الروسي، والمنافسة الانتقائية عبر إعادة الانخراط الاقتصادي والتكنولوجي، وصولًا إلى الاحتواء الصارم أو العمل متعدد الأطراف مع الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع.

 

يرجّح التقرير أن خيار إعادة الانخراط التنافسي المدعوم بتنسيق غربي متعدد الأطراف يمثل المسار الأكثر واقعية واستدامة، إذ يحافظ على استقلالية القرار المصري دون دفع القاهرة إلى الارتماء في أحضان موسكو أو بكين. ويحذر في المقابل من أن الاعتماد على الضغوط والعقوبات قد يؤدي إلى نتائج عكسية، تضعف النفوذ الأميركي بدلًا من تعزيزه.

 

ويخلص التحليل إلى أن مصر دولة محورية لا تستطيع الولايات المتحدة خسارتها، لكنها في الوقت ذاته تملك هامشًا واسعًا للمناورة. وفي غياب تحرك أميركي فعّال، قد تنجح روسيا في تحويل المشروعات الاقتصادية إلى نفوذ استراتيجي طويل الأمد عند قلب أحد أهم الممرات التجارية في العالم.

https://lansinginstitute.org/2025/12/23/the-russian-factor-in-egypt-strategic-projects-and-the-reconfiguration-of-power-in-north-africa/